د. فايز بن عبدالله الشهري
هو سؤال قديم ولكن الجواب يتجدّد مع مستحدثات التقنية والثقافة والإعلام التي باتت اكثر السلع الاستهلاكيّة في عالم اليوم. ولو سألت مجموعة من الناس عمّن يصنع ثقافة الجيل الجديد لجاءتك الإجابات شتى. ولكن الراصد للحراك الثقافي في مجتمعنا اليوم يدرك أن نسبة مهمة من منتجات صناعة الثقافة والوعي العام للأجيال الجديدة تأتي من قبل الشباب أنفسهم بعد أن تركناهم لوحدهم واكتفينا بالتقريع واللوم. وهذه المنتجات الشبابيّة بالطبع ليست المشكلة بل يمكن أن تكون فرصة تاريخيّة لصقل المهارات واكتشاف القدرات. لكن السؤال الأكبر يظهر حال فحص بعض مخرجات هذه الثقافة وثمارها المعروضة بصخب الشباب وعفويته.
المعلوم أن مرحلة الشباب تعني في مفهومها العام كل معاني البراءة والعفويّة والانطلاق، ومن هنا فإن ما تبنيه العقول الشابة من اتجاهات ما هو إلا انعكاس (سلبي أو إيجابي) لتأثير مراجعها الفكريّة ومصادر التلقي التي روت منها هذه الأذهان الغضة عطشها للمعرفة وفهم ما حولها.
وبحسب التقارير الإحصائيّة يكفي أن نعلم أن متوسط عمر الذكور السعوديين هو 26.3 سنة وينخفض متوسط العمر عند الإناث السعوديات إلى حوالي 24 سنة. وهذه المؤشرات الرقميّة توضح أن المجتمع السعودي (ذكوره وإناثه) شاب فتي وهذا يعني في بُعد آخر أن الشباب أيضا هم من يشكّلون النسبة الأعظم من "منتجي" "ومستهلكي" محتوى التقنيات الحديثة.
ويقول العلماء ان دماغ الإنسان يتكيّف تلقائيا بحسب الخبرات الفرديّة المتراكمة لكل شخص على حده. وكانت الخبرات الفرديّة للإنسان في المجتمع (التقليدي) الواحد متقاربة وبطيئة ومعها لم تختلف كثيرا ردود الفعل والسلوك نحو المواقف والأدوار إلّا باختلاف محسوب تمليه مستويات القدرات والمهارات الفرديّة. وهكذا - على مر التاريخ - بقي التمايز الثقافي بين الأجيال في المجتمع الواحد رتيبا ومعه احتفظت المراجع الفكريّة التقليديّة بنسبة مؤثرة في كل جيل حتى ظهرت وسائل الاتصال وتوجتها شبكة الإنترنت والهواتف الذكيّة فقلبت الأدوار رأسا على عقب.
ونتيجة لهذا يقول العلماء ان مثل هذا التسارع المذهل في التقنية وانتشار المحتوى الرقمي بين الشباب كفيل بإرباك الدماغ الإنساني وتصعيب تكيّفه مع بيئته نتيجة سرعة تغير البيئات المحيطة وما يحدثه التأثير الوقتي المتكرّر على الفرد تبعا لكثافة الخبرات الوافدة (تقنيا) من خارج سياقات المجتمع.
ومن المواقف الطريفة أن ظهرت في أدبيات الشباب عبارات تستبدل العبارات القديمة الشائعة بعبارات ذات صبغة تقنيّة نتيجة هذه الثقافة الرقميّة الضاغطة على سبيل المثال فمقولة شكسبير الشهيرة (تكون أو لا تكون هذا هو السؤال) أصبحتTo Facebook, or not to Facebook. وبناء على وضوح ضعف دور المؤسسات التقليديّة في صناعة محتوى وثقافة التقنية بات على من يريد الوصول للجيل الجديد ان يسمع ويطيع.. ومن هنا ظهرت عبارة التسويق الشهيرة "في عالم الإعلام الجديد لم تعد الماركة (Brand) هي ما تقوله وكالات الإعلان للشباب بل ما يقوله الشباب للشباب".
* مسارات:
قال ومضى: رأيت على شبكة الإنترنت: من يدفع (قيمة) الحريّة ومن يقبض (ثمن) الفوضى.
__________________